التقديم3

 كان القرن التاسع عشر هو عصر الكيمياء بسبب تطورات جذرية ومنها تقنين مفهوم العناصـر، واختـراع الجـدول الـدوري عـام 1869 . وأما القرن العشـرين فكان عصر الفيزياء بسـبب استكشـافات مهمـة، ومنهـا الإشـعاع فـي مطلـع القـرن، ثـم التطـورات فـي الفيزيـاء الكميـة، والنظريـة النسـبية، وتطبيقاتهـا فـي السـلم والحـرب. والتوقعـات كانـت أن القـرن الحـادي العشـرين سـيكون عصـر علـوم الأحيـاء لعـدة أسـباب، ومنهـا تطبيقـات الهندسـة الوراثيـة المذهلـة. والواقـع هـو أن هـذا القـرن هـو قـرن التداخـل العلمـي بيـن فـروع العلـوم الرائعـة التـي غيـرت حياتنـا. هنـاك فجـوة لغويـة صاحبـت جميـع هـذه العصور، وهـي إحـدى أهـم دوافـع هـذا الكتـاب. المعجـم بيـن أيديكـم هـو بدايـة منظومـة ضروريـة لتنسـيق جهود الباحثيـن والمهتميـن بالعلـوم فـي العالـم العربـي، وتيسـير تواصلهـم بأحـدث التطـورات العالميـة فـي مجـالات الكيميـاء الحيويـة، والجينـوم، والبيولوجيـا الجزئيـة.

ولكـن الموضـوع ليـس مجـرد ترجمـة مصطلحـات. فضلا لاحـظ أن أطـول كلمـة فـي اللغـة الإنجليزيـة هـي Pneumonoultramicroscopicsilicovolcanoconiosis وهـي أحـد مكونـات هـذا المعجـم. هـذه الكلمـة العملاقـة مكونـة مـن خمسـة وأربعيـن حرفـا، وهـي تعكـس إحـدى التعقيـدات اللغويـة فـي مجـال العلـوم المعنيـة هنا...وهنـاك المزيـد، فلـو نظرنـا إلـى أقصـر الكلمـات فـي عالـم الكيميـاء سـنجد كلمـات الحـرف الواحـد ومنهـا 14 مـن عناصـر الجـدول الـدوري. المقصـود هنـا هـو عناصـر مثـل الهيدروجيـن H، والنيتروجيـن N ، واالوكسـجين O، والتنجسـتن W، ولكـن تخيـل أن هنـاك مـا هـو أقصـر من ذلك. في »هيكلة لويـس« للعناصـر والمركبـات، يتـم اسـتخدام نقـاط فـوق، وتحـت، وبجانـب رمـوز العناصر للتعبيـر عن وضعية »التكافـؤ« للإلكترونـات...كل منهـا مهمـة فـي معناهـا بالرغـم مـن حجمهـا المتناهـي الصغـر. وهـذه تمثل إحـدى مقومـات لغـة الكيميـاء وفروعهـا، شـاملة الكيميـاء الحيويـة. طيـف لغـة الكتـاب يبـدأ مـن أهميـة النقطـة الواحـدة، ويمتـد إلـى الكلمـات العمالقـة، وفـي ذلـك المـدى الهائـل نجـد أحـد انعكاسـات التحـدي الكبيـر للترجمـة، سـواء كانـت مـن جهـود البشـر، أو حتـى مـن الخوارزميـات اللغويـة المذهلـة التـي انتشـرت انتشـارات كبيـرا اليـوم بداخـل مكائـن الترجمـة المختلفـة.

وفـي الختـام، فضلا ملاحظـة أن هـذا العمـل النبيـل هـو بدايـة جهـود نحـو إزالـة العوائـق بيـن اللغـات التـي تحجـب تدفـق ينابيـع المعرفـة. هنـاك دواعـي كثيـرة للتفـاؤل بـأن رقـي الفهـم، والإبـداع، والتألـق، والمزيـد مـن جهـود العلمـاء سـتكون مـن مخرجـات هـذا الكتـاب إن شـاء الله. وأرجو أن ال ننسـى أن أحـد أهـم جوانـب العلـوم ال تكمـن فـي تطبيقاتهـا المفيـدة فحسـب، بـل وفـي جمالهـا أيضـا، وهـي زينـة الكتـاب، كمـا سـتجد فـي الصفحـات القادمـة. واللـه مـن وراء القصـد.

_______________________________ 
طـارق علـي فدعـق مـن مواليـد جـرول فـي مكـة المكرمـة. حصـل علـى درجـة البكالوريـوس فـي العلـوم، ثـم الماجسـتير والدكتـوراه فـي دراسـات المدن
لإكثـر مـن ثلاثيـن سـنة فـي الولايـات المتحـدة والمملكـة العربيـة السـعودية. وكان باحثـا زائـرا ثـم زميلا بحثيـا فـي جامعـة مـن الولايـات المتحـدة هارفـرد. عمـل كعضـو هيئـة تدريـس فـي جامعـة الملـك عبـد العزيـز، وكان رئيسـا لمجلـس البلـدي بجـدة، ثـم عضـوا فـي مجلـس الشـورى. يكتـب مقـالات أسـبوعية فـي العلـوم والطيـران، وكان ولا يـزال تلميـذا، وعاشـقا للجـدول الـدوري.